شموخ العز اداريه
عدد المساهمات : 24 نقاط : 512435 النقاط : 0 تاريخ التسجيل : 11/11/2010
| موضوع: حكمة الايام....... السبت فبراير 05, 2011 11:03 pm | |
| اليوم و في المحكمة العليا للقضاء سيتم التحقيق و الحكم على مذنب , قيل أنه مجرم عانق الإجرام بكل ما يحتويه من شر و عنف ..على مجرم لم تدعه الأيام يحقق ما يريد و أن تسمح له بالعيش مع بقية الناس مجرد حياة عادية.
حركة غير عادية و فوضى عارمة بين الحضور..فلان يقول بأنه مذنب و آخر يقول أنه خائن و أنه باع كل أخلاقه..., هذا يقول و ذلك يقول حتى تداخلت الكلمات في بعضها و تشكلت الحروف فيما بينها لتصبح كسيف حاد ينغرس في قلب من يقال عنه مجرم . سكت الحشود برهة و خيم الصمت و إذا بشخص يقول قيام, ماذا بعد فإذا بقاضي يدخل و المثير أنه امرأة و بعدها طلبوا منا الجلوس, بدأت المحاكمة و استدعى الشهود...هذا يقول نعم انه القاتل الخائن المجرم..و ذاك يقول لم نعهده هكذا لقد تبرأنا منه فهو لكم..و آخر يقول لم آري الجريمة لكنني رأيت المسدس في يديه و هو يجري خائف......استمع القاضي مع بقية الحضور إلى كل هذه الأقوال و لم يبقى لهم أدنى شك فكل الدلائل و المعطيات تأكد بأنه المجرم....حولت الكلمة الآن إلى وكيل الجمهورية و الذي بدوره طالب بأقصى العقوبة و مدة حبس لا تقل عن عشرون عاما هكذا كان رأيه و هو رأي مجسد من الوقائع و الشهود...الكلمة الآن لمحامي الدفاع و قبل أن يبدأ في الكلام نهض القاتل من مقعده و طالب بأن بدافع عن نفسه و أن يحكي كل قصته و حياته بنفسه دون أي أكاذيب...وقف و الدموع تتلألأ في عينيه, وقف بكل ثقة في نفسه و كله عنفوان ....., وافق القاضي على ذلك و طلب منه القسم و بعدها جلس المتهم على كرسي الإدلاء مقابلا كل تلك الحشود التي بادلته النظرات ثم قال المتهم بكل ثبات:لا أعلم من أين أبدأ و من أين يهم أن أبدأ لكنني سأقول ببساطة كبيرة مجرد كلمات ممزوجة بمرارة الزمن و اليأس..سأقول و سأسرد حياتي التائهة و التي لم أجني منها سوى العتاب و الألم.خفق قلبه و هو يقول هذه الكلمات و كـأنه ينظر الجواب عبر ملامح الحضور ثم واصل الحديث:كنت شخصا عاديا أعمل كحارس في مدرسة ابتدائية، أعيش مع والدتي الوحيدة أقتات من أجري و أدخر ما بقى لعلي أفعل بها شيء، و مع الوقت تم زفافي مع امرأة جميلة رزقت منها بطفلين توأم... ، حتى الآن حياتي كانت عادية و مجرد أيام تتناثر هنا و هنا ، إلا أن مرضت أمي بالعسر الكلوي فلم تصبح قادرة على الحياة سوى بواسطة عملية تصفية الدم تقوم بها مرة كل أسبوع ، كانت هذه العملية تكلفني الكثير من المال و الوقت فكنت أحيانا أتأخر عن العمل فاستاء المدير من ذلك فطردني من العمل ...فأصبحت كمشرد في الدنيا من دون أجر شهري أشبع به احتياجات زوجتي و أطفالي الذين لم يبلغن بعد العامين و الأهم من كل هذا مصاريف أمي فهي بين الحياة و الموت فكيف سيحكم علي الزمن و القدر بعد كل هذا و خاصة أنني اقتحمت كل أنواع العمل دون أي جدوى..فكيف؟؟؟قال هذه الكلمات و الدموع تتساقط من عينيه و الحشود كلها متأثرة بكلامه و كأنها حاضرت اليوم لترى ما يعانيه بقية الناس منهم و الذين يسمونهم المجرمون.أما القاضي فقد تنهدت قليلا و بنبرة يغمرها الألم و الأسف أمرت المتهم بأن يواصل الحديث، نظر إليها ليبادلها تلك النظرة اليائسة ثم واصل حديثه:أغلقت كل الأبواب و تراكمت الديون و لم يعد لي سوى طريق واحد وهو السرقة و الخيانة..حينها أوهمت زوجتي بأنني وجدت عملا مرموقا و أنني سأتقاضى أجرا يكفي كل احتياجاتي.... مر يوم و يومان و عام و عامين و أنا أقتات من عملي و هو سرقة الغير...و لكنه الحل الوحيد بالنسبة لي......وفي يوم من الأيام و على الممر الساحلي وقفت لوهلة حين أبصرت من بعيد رجلا أنيق الملابس واقفا و معه حقيبة جلدية رائعة , فاقتربت بحذر منه فإذا بي أسمعه يقول عبر الهاتف الخلوي: قد تأخرت يا صاحبي و رئيسي سوف يأتي بعد حوالي ساعة فلا تدعني نقضي بقية حياتنا نتعذب ، و انتهت المكالمة حينها أدركت بأن الوقت يمر مني و لم أعر أي اهتمام للمكالمة بل كان همي الوحيد أن اسرق تلك الحقيبة الجلدية و أبيعها في السوق حتى توفر لي وجبة الغداء لي و لأسرتي ..باغت الرجل و سرقت الحقيبة و هرعت مسرعا بين الناس فلم يستطع الرجل ملاحقتي..و هكذا حققت ما كان في بالي.فلقد كانت هذه الحقيبة نقطة انعطاف في حياتي البائسة..حينها قاطعته القاضي و قالت: أتريد أن تقنعنا بأن بيعك لهذه الحقيبة الجلدية جعلك ثري حتى تستطيع أن تشتري ذلك المنزل الفخم و السيارة الرائعة...، أتريد أن تقنعنا بأن بيعك لتلك الحقيبة فتحت لك باب التجارة و أصبحت تملك كل تلك المحلات...لا يا سيدي إن كنت تضيع وقتي بهذه التفا هات فأنا لا أسمح لك.بدأت الفوضى داخل القاعة بين مؤيد و معارض و بين حائر و مستسلم و بين من هو متعجب و من هو سائل، و لم يدم ذلك طويلا حتى عاود الصمت ليخيم منتظرين بلهفة كيف ستكون إجابة المتهم على هذه الأسئلة.حينها قال المتهم و هو جالس في هدوء : لا يا سيدتي أنا لا أضيع وقتك الثمين بل أسرد عليك كل التفاصيل حتى لا تظلميني و أنا لا أريد إقناعك فأنت تملكين القرار في النهاية ، لكن المهم و الذي لم تدركيه بعد أن تلك الحقيبة كانت مفتاح حياتي...فحين فتحت تلك الحقيبة و جدتها مملوءة بالمال بل الملايين من الدراهم، كنت يائسا و لم أسأل نفسي من أين آتى أو لمن هو ؟ بل كان جل تفكيري ماذا سأفعل بهذا المال.ردد هذه الكلمات مخاطبا القاضي و كأنه لا يلوم نفسه بل يلوم القدر و الزمان هما من وضعوه في هذه الظروف القاسية ثم واصل حديثه بتلك النبرة الحزينة: لم أجد ما أفعل بذلك المال سوى أن أغير حياتي للأحسن ففي بادئ الأمر قمت بزرع كليتين لأمي العزيزة ثم فتحت تلك المحلات التي أملك و المنزل الفاخر و السيارة الرائعة...، لم أرك شخصا من حي القديم إلا وظفته في عمل مرموق و أجر ينسيه مأساة الزمن و عوائق الحياة..لكن ما لم أدركه أن ذلك المال له أسياده و سوف يبحثون عنه, يوم بعد يوم و ذلك السؤال يدور في بالي و تلك المخاوف تراودني في أحلامي..لم أعد أشعر بالراحة و الاطمئنان.سكت و نظر إلى الحشد الذي ينظر إليه بنظرات الحسرة و الحزن.. و ساد الصمت و كأنه الصمت الذي يسبق العاصفة ثم واصل حديثه :ذات يوم و أنا راجع إلى البيت مساءا من العمل ، فإذا بي أجد الباب مفتوحا فدخلت فإذا بي أجده مقلوبا على رأسه فتسارعت نبضات قلبي و خطواتي علي أفسر ما يحدث ، فوجدت أمي مستلقية على الأرض و أولادي و زوجتي مذعورين و كأن الخوف زارهم ، حينها سارعت بأمي إلى المستشفى لأفاجأ بأنها ماتت بسكتة قلبية ، لم أحتمل ما حدث لم أفسر ما جرى كيف ماتت و لماذا ماتت و من أجل ماذا ماتت...و من السبب في موتها؟؟؟صرخ بهذه العبارات و الدموع تتزاحم في عينييه و الحضور كلهم يشاركونه تلك الدموع أحسوا بأن المتهم ابنهم و الميتة ليست أمه فقط بل أمهم جميعا...ثم استرجع أنفاسه وواصل حديثه :بعد وقت أدركت بأن من أخذت منه المال هو من فعل هذا فزوجتي أخبرتني بأنه كان يبحث عن خزنة المال و أمي دافعت عن شرفي حتى ماتت بسكتة قلبية.حينها لم أفكر في شيء بل استرجعت كل الذكريات الجميلة مع أمي الغالية و كل آلامي و أفراحي التي تقاسمتها معها ....قمت بعدها بزيارة إلى حي القديم و الذي ما إن وضعت فيه قدمي حتى عرفت بأن هناك شخص قد باعني إلى هؤلاء، فبحثت عنه فوجدته مصابا برصاصة في الصدر و قبل أن يفارق الحياة أخبرني بعنوان ذلك الرجل..فهاهي المصيبة مصيبتان أدفن أمي الغالية البارحة و اليوم أدفن أحد أصدقاء حي القديم بهذين اليدين ، فتخيلوا معي كيف سأحاسب نفسي و أعاتب ضميري ...لكن شاءت الظروف هكذا.اشتريت مسدسا آليا و ذهبت مباشرة إلى ذلك العنوان بعد أسبوع من الحادث، طرقت الباب ففتح الباب ذلك الرجل الذي سرقت منه تلك الحقيبة الجلدية الرائعة..فعرفني من أول نظرة و لمح عبر عيني نظرة الانتقام فقال لي أنني السبب و لو لم أسرق تلك الحقيبة لما كان حدث ما حدث ،ما كان يكمل كلماته حتى أرددته قتيلا و لم أدرك بعد ذلك شيء من الدنيا حتى وجدت نفسي بين يديكم.غادرت تلك المحكمة بعدما صدر في حقه حكم بالإعدام....غادرت تلك المحكمة و أسئلة كثيرة تدور في رأسي هل هو مذنب في أنه عاش حياته كباقي الناس أم أنها حكمة الأيام. | |
|